فصل: الباب الثاني الحكماء الأصول الحكماء الأصول الذين هم من القدماء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الملل والنحل **


 الباب الثاني الحكماء الأصول الحكماء الأصول الذين هم من القدماء

إلا أنا لم نجد لهم رأياً في المسائل المذكورة غير حكم مرسلة عملية أوردناها لئلا تشذ مذاهبهم عن القسمة ولا يخلو الكتاب عن تلك الفوائد‏.‏

فمنهم الشعراء الذين يستدلون بشعرهم‏.‏

وليس شعرهم على وزن وقافية ولا الوزن والقافية ركن في الشعر عندهم بل الركن في الشعر عندهم إيراد المقدمات المخيلة فحسب‏.‏

ثم قد يكون الوزن والقافية معينين في التخيل‏.‏

فإن كانت المقدمة التي نوردها في القياس الشعري مخيلة فقط تمحض القياس شعرياً وإن انضم إليها قول إقناعي يقينياً تركبت المقدمة من معينين شعري وإقناعي وإن كان الضميم إليه قولاً يقينياً تركبت المقدمة من شعري وبرهاني‏.‏

ومنهم النساك ونسكهم وعبادتهم عقلية لا شرعية ويقتصر ذلك على تهذيب النفس عن الأخلاق الذميمة وسياسة المدينة الفاضلة التي هي الجنة الإنسانية‏.‏

وربما وجدنا لبعضهم رأياً في بعض المسائل المذكورة أعني‏:‏ المبدع والإبداع وأنه عالم وأن أول ما أبدعه ماذا وأن المبادئ كم هي وأن المعاد كيف يكون‏.‏

وصاحب الرأي الموافق للأوائل المذكورين أوردنا اسمه وذكرنا مقالته وإن كانت كالمكروه‏.‏

نبتدئ بهم ونجعل فلوطرخيس مبدأ آخر‏.‏

رأي فلوطرخيس قيل إنه أول من شهر بالفلسفة‏.‏

ونسبت إليه المحكمة‏.‏

تفلسف بمصر‏.‏

ثم سار إلى ملطية وأقام بها‏.‏

وقد يعد من الأساطين‏.‏

قال‏:‏ إن الباري تعالى لم يزل بالأزلية التي هي أزلية الأزليات وهو مبدع فقط‏.‏

وكل مبدع ظهرت صورته في حد الإبداع فقد كانت صورته عنده أي كانت معلومة له‏.‏

فالصور عنده بلا نهاية أي المعلومات بلا نهاية‏.‏

قال‏:‏ ولو لم تكن الصور عنده ومعه لما كان إبداع ولا بقاء للمبدع ولو لم تكن باقية دائمة لكانت تدثر بدثور الهيولى ولو كان ذلك كذلك لارتفع الرجاء والخوف ولكن لما كانت الصور باقية دائمة ولها الرجاء والخوف‏:‏ كان ذلك دليلاً على أن الصور أزلية في علمه تعالى‏.‏

قال‏:‏ ولا وجه إلا القول بأحد الأقوال‏:‏ إما أن يقال‏:‏ الباري تعالى لا يعلم شيئاً البتة وهذا من المحال الشنيع وأما أن يقال‏:‏ يعلم بعض الصور دون بعض وهذا من النقص الذي لا يليق بكمال الجلال وإما أن يقال‏:‏ يعلم جميع الصور والمعلومات وهذا هو الرأي الصحيح‏.‏

ثم قال‏:‏ إن أصل المركبات هو الماء فإنه إذا تخلخل صافياً وجد ناراً وإذا تخلخل وفيه بعض الثقل صار هواء وإذا تكاثف تكاثفاً مبسوطاً بالغاً صار أرضاً‏.‏

وحكى فلوطرخيس أن هيرقليطس زعم أن الأشياء إنما انتظمت بالبخت وجوهر البخت هو نطق عقلي ينفذ في الجوهر الكلي‏.‏

والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

رأي أكسنوفانس كان يقول‏:‏ إن المبدع الأول هو آنية أزلية دائمة ديمومة القدم لاتدرك بنوع صفة منطقية ولا عقلية مبدع كل صفة وكل نعت نطقي وعقلي فإذا كان هذا هكذا فقولنا‏:‏ إن صور ما في هذا العالم المبدعة لم تكن عنده أو كانت أو كيف أبدع ولم أبدع‏.‏

محال لأن العقل مبدع والمبدع مسبوق بالمبدع والمسبوق لا يدرك السابق أبداً فلا يجوز أن يصف المسبوق السابق‏.‏

بل نقول‏:‏ إن المبدع أبدع كيفما أحب وكيفما شاء فهو هو ولا شيء معه‏.‏

قال‏:‏ وهذه الكلمة أعنى‏:‏ هو ولا شيء بسيطاً ولا مركباً معه وهو مجمع كل ما نطلبه من العلم لأنك إذا قلت ولا شيء معه فقد نفيت عنه‏:‏ أزلية الصورة والهيولى وكل مبدع من صورة وهيولى وكل مبدع من صورة فقط‏.‏

ومن قال أن الصور أزلية مع آنيته فليس هو فقط بل هو وأشياء كثيرة فليس هو مبدع للصور بل كل صورة إنما أظهرت ذاتها فعند إظهارها ذاتها ظهرت هذه العوالم‏.‏

وهذه أشنع ما يكون من القول‏.‏

وكان تيرز والقادميون يقولان‏:‏ ليست أوائل البتة ولا معقول قبل المحسوس بحال فلا مثل بدعة الأشياء مثل الذي يفرخ من ذاته بلا حدث ولا فعل ظهر فلا يزال يخرجه من القوة إلى الفعل حتى يوجد فيكمل فنحسه وندركه وليس شيء معقول البتة‏.‏

والعالم دائم لا يزول ولا يفنى فإن المبدع لا يجوز أن يفعل فعلاً يدثر إلا وهو داثر مع دثور فعله وذلك محال‏.‏

رأي زينون الأكبر زينون الأكبر ابن ماوس‏:‏ من أهل قنطس‏.‏

كان يقول‏:‏ إن المبدع الأول كان في علمه صورة إبداع كل جوهر وصورة دثور كل جوهر فإن علمه غير متناه والصور التي فيه من حيث الإبداع غير متناهية وكذلك صور الدثور غير متناهية فالعوالم تتجدد في كل حين وفي كل دهر فما كان منها مشاكلاً لنا أدركنا حدود وجوده ودثوره بالحواس والعقل وما كان غير مشاكل لنا لم ندركه إلا أنه ذكر وجه التجدد فقال‏:‏ إن الموجودات باقية دائرة‏:‏ أما بقاؤهما فبتجدد صورها وأما دثورها فبدثور الصورة الأولى عند تجدد الأخرى‏.‏

وذكر أن الدثور قد يلزم الصورة والهيولى معاً‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ إن الشمس والقمر والكواكب تستمد القوة من جوهر السماء فإذا تغيرت السماء تغيرت النجوم أيضاً‏.‏

ثم هذه الصور كلها‏:‏ بقاؤها ودثورها في علم الباري تعالى والعلم يقتضي بقاءها دائماً وكذلك الحكمة تقتضي ذلك لأن بقاءها على هذه الحال أفضل‏.‏

والباري تعالى قادر على أن يفني العوالم يوماً ما إن أراد‏.‏

وهذا الرأي و وقد مال إليه الحكماء المنطقيون الجدليون دون الإلهيين‏.‏

وحكى فلوطرخيس أن زينون كان يزعم أن الأصول هي الله عز وجل والعنصر فقط فالله هو العلة الفاعلة والعنصر هو المنفعل‏.‏

حكمه‏:‏ قال‏:‏ أكثروا من الإخوان فإن بقاء الإخوان كما أن شفاء الأبدان بالأدوية‏.‏

وقيل‏:‏ رأى زينون فتى على شاطئ البحر محزوناً يتلهف على الدنيا فقال له‏:‏ يا فتى‏!‏ ما يلهفك على الدنيا لو كنت في غاية الغنى وأنت راكب لجة البحر قد انكسرت السفينة وأشرفت على الغرق كانت غاية مطلوبك النجاة وتفوت كل ما في يدك قال‏:‏ نعم قال‏:‏ لو كنت ملكاً على الدنيا وأحاط بك من يريد قتلك‏:‏ كان مرادك النجاة من يده وتفوت كل ملكك قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فأنت الغني وأنت الملك الآن فتسلى الفتى‏.‏

وقال لتلميذه‏:‏ كن بما تأتي من الخير مسروراً وبما تجتنب من الشر محبوراً‏.‏

وقيل له‏:‏ أي الملوك أفضل‏:‏ ملك اليونانيين أم ملك الفرس قال‏:‏ من ملك غضبه وشهوته‏.‏

وسئل عد أن هرم‏:‏ ما حالك قال‏:‏ هو ذا أموت قليلا قليلا على مهل‏.‏

وقيل له‏:‏ إذا مت‏!‏ من يدفنك‏.‏

قال‏:‏ من يؤذيه نتن جيفتي‏.‏

وسئل‏:‏ ما لذي يهرم قال‏:‏ الغضب والحسد وأبلغ منهما الغم‏.‏

وقال‏:‏ الفلك تحت تدبيره‏.‏

ونعى إليه ابنه فقال‏:‏ ما ذهب ذلك على إنما ولدت ولداً يموت وما ولدت ولداً لا يموت‏.‏

وقال‏:‏ لا تخف موت البدن ولكن يجب عليك أن تخاف موت النفس‏.‏

فقيل له‏:‏ لما قلت خف موت النفس والنفس الناطقة عندك لا تموت فقال‏:‏ إذا انتقلت النفس الناطقة من حد النطق إلى حد البهيمية وإن كان جوهرها لا يبطل فقد ماتت من العيش العقلي‏.‏

وقال‏:‏ أعط الحق من نفسك فإن الحق يخصمك إن لم تعطه حقه‏.‏

وقال‏:‏ محبة المال وتد الشر لأن سائر الآفات تتعلق بها ومحبة الشرف وتد العيوب لأن سائر العيوب متعلقة بها‏.‏

وقال‏:‏ أحسن مجاورة النعم فتنعم بها ولا تسيء بها فتسيء بك‏.‏

وقال‏:‏ إذا أدركت الدنيا الهارب منها جرحته وإذا أدركها الطالب لها قتلته‏.‏

وقيل له وكان لا يقتي إلا قوت يومه‏:‏ إن الملك يبغضك فقال‏:‏ وهل يحب الملك من هو أغنى منه‏.‏

وسئل‏:‏ بأي شيء يخالف الناس في هذا الزمان البهائم فقال‏:‏ بالشرور‏.‏

قال‏:‏ وما رأينا العقل قط إلا خادماً للجهل وفي رواية للسجزي إلا خادماً للجد والفرق بينهما ظاهر فإن الطبيعة ولوازمها إذا كانت مستولية على العقل‏:‏ استخدمه الجهل وإذا كان ما قسم للإنسان من الخير والشر فوق تدبيره العقلي‏:‏ كان الجد مستخدماً للعقل ويعظم جد الإنسان ما يعقل وليس يعظم العقل ما يجد ولهذا‏!‏ خيف على صاحب الجد ما لم يخف على صاحب العقل‏.‏

والجد‏:‏ أصم أخرس لا يفقه ولا ينقه وإنما هو ريح تهب وبرق يلمع ونار تلوح وصحو يعرض وحلم يمتع‏.‏

وهذا اللفظ أولى فإنه عمم الحكم فقال ما رأينا العقل قط وقد يعرض للعقل أن يرى ولا يستخدمه الجهل وذلك هو الأكثر‏.‏

وقال زينون‏:‏ في الجرادة خلقة سبعة جبابرة‏:‏ رأسها راس فرس وعنقها عنق ثور وصدرها صدر أسد وجناحها جناح رأي ديمقريطيس وشيعته كان يقول في المبدع الأول‏:‏ إنه ليس هو العنصر فقط ولا العقل فقط بل الأخلاط الأربعة وهي الاسطقسات‏:‏ أوائل الموجودات كلها ومنها أبدعت الأشياء البسيطة كلها دفعة واحدة وأما المركبة فإنها كونت دائمة داثرة إلا أن ديمومتها بنوع ودثورها بنوع‏.‏

ثم إن العالم بجملته باق غير داثر لأنه ذكر أن هذا العالم متصل بذلك العالم الأعلى كما أن عناصر هذه الأشياء متصلة بلطيف أرواحها الساكنة فيها‏.‏

والعناصر وإن كانت تدثر في الظاهر فإن صفوها من الروح البسيط الذي فيها فإذا كان كذلك فليس يدثر إلا من جهة الحواس فأما من نحو العقل فإنه ليس يدثر فلا يدثر هذا العالم إذا كان صفوها فيه وصفوه متصل بالعوالم البسيطة‏.‏

وإنما شنع عليه الحكماء من جهة قوله‏:‏ إن أول مبدع هو العناصر وبعدها أبدعت البسائط الروحانية فهو يرتقي من الأسفل إلى الأعلى ومن الأكدر إلى الأصفى‏.‏

ومن شيعته فليوخوس إلا أنه خالفه في المبدع الأول وقال بقول سائر الحكماء غير أنه قال‏:‏ إن المبدع الأول هو مبدع الصورة فقط دون الهيولى فإنها لم تزل مع المبدع‏.‏

فأنكروا عليه وقالوا‏:‏ إن الهيولى لو كانت أزلية قديمة‏:‏ لما قبلت الصور ولما تغيرت منحال إلى حال ولما قبلت فعل غيرها إذ الأزلي لا يتغير‏.‏

وهذا الرأي مما كان يعزى إلى أفلاطون الإلهي والرأي في نفسه مزيف والعزوة إليه غير صحيحة‏.‏

ومما نقل عن ديمقريطيس وزينون الأكبر وفيثاغورث أنهم كانوا يقولون‏:‏ إن الباري تعالى متحرك بحركة فوق هذه الحركة الزمانية‏.‏

وقد أشرنا إلى المذهبين وبينما المراد بإضافة الحركة والسكون إلى الله تعالى‏.‏

ونزيده شرحا من احتجاج كل فريق على صاحبه‏.‏

قال أصحاب السكون‏:‏ إن الحركة لا تكون أبداً إلا ضد السكون والحركة لا تكون إلا بنوع زمان إما ماض وإما مستقبل والحركة لا تكون إلا مكانية إما منتقلة وإما مستوية ومن المستوية تكون الحركة المستقيمة والحركة المعوجة والمكانية تكون مع الزمان فلو كان الباري تعالى متحركاً لكان داخلاً في الدهر والزمان‏.‏

قال أصحاب الحركة‏:‏ إن حركته أعلى من جميع ما ذكرتموه وهو مبدع الدهر والمكان وإبداعه ذلك هو يعنى بالحركة‏.‏

والله أعلم‏.‏

رأي فلاسفة أقاديما كانوا يقولون‏:‏ إن كل مركب ينحل ولا يجوز أن يكون مركباً من جوهرين متفقين في جميع الجهات وإلا فليس بمركب فإذا كان هذا هكذا فلا محالة أنه إذا انحل المركب رحل كل جوهر فاتصل بالأصل الذي كان منه فما كان منها بسيطاً روحانياً لحق بعالمه الروحاني البسيط والعالم الروحاني باق غير داثر ويرجع حتى يصل إلى ألطف من كل لطيف فإذا لم يبق من اللطافة شيء اتحد باللطيف الأول المتحد به فيكونان متحدين إلى الأبد وإذا اتحدت الأواخر بالأوائل وكان الأول هو أول مبدع ليس بينه وبين مبدعه جوهر آخر متوسط فلا محالة أن ذلك المبدع الأول متعلق بنور مبدعه فيبقى خالداً دهر الدهور‏.‏

وهذا الفصل أيضاً قد نقل عنهم وهو يتعلق بالمعاد لا بالمبدأ وهؤلاء يسمون‏:‏ مشائي أقاديما وأما المشاءون المطلق فهم‏.‏

أهل لوقيون وكان أفلاطون يلقن الحكمة ماشياً تعظيماً لها وتابعه على ذلك أرسطوطاليس‏.‏

ويسمى هو وأصحابه‏:‏ المشائين‏.‏

وأصحاب الرواق هم أهل المظال‏.‏

وكان لأفلاطون تعليمات‏:‏ تعليم كليس وهو الروحاني الذي لا يدرك بالبصر ولكن بالفكر اللطيف وتعليم كأيس وهو الهيولانيات‏.‏

والله الموفق للصواب‏.‏

رأي هرقل الحكيم كان يقول‏:‏ إن الباري تعالى هو النور الحق الذي لا يدرك من جهة عقولنا لأنها أبدعت من ذلك النور الأول الحق وهو اسم الله حقاً وهو اسم الله باليونانية حقاً‏.‏

إنها تدل عليه إنه مبدع الكل‏.‏

وهذا الاسم عندهم شريف جداً‏.‏

وكان يقول‏:‏ إن بدء الخلق وأول شيء أبدع والذي هو أول لهذه العوالم هو المحبة والمنازعة‏.‏

وقال هرقل‏:‏ السماء كرة متحركة من ذاتها والأرض مستديرة ساكنة جامدة بذاتها ة الشمس حللت كل ما فيها من الرطوبة فاجتمعت فيها فصار البحر والذي حجرت الشمس ونفذت فيه حتى لم تذر فيه شيئاً من الرطوبة صار منه‏:‏ الحصى والحجارة والجبل وما لم تنفذ فيه الشمس أكثر ولم تنزع عنه الرطوبة كلها فهو التراب‏.‏

وكان يقول إن السماء في النشأة الأخرى تصير بلا كواكب لأن الكواكب تهبط سفلاً حتى تحيط بالأرض وتلتهب فيصير متصلاً ببعضها البعض حتى تكون كالدائرة وحول الأرض وإنما يهبط منها ما كان من أجزائها ناراً محصنة ويصعد منها ما كان نوراً محصناً فتبقى النفوس الشريرة الدنسة الخبيثة في هذا العالم الذي أحاط به النار إلى الأبد في عقاب السرمد وتصعد النفوس الشريفة الخالصة الطيبة إلى العالم الذي تمحض نوراً وبهاءً وحسناً في ثواب السرمد‏.‏

وهناك‏:‏ الصور الحسان لذات البصر والألحان الشجية لذات السمع ولأنها أبدعت بلا توسط مادة وتركب اسطقسات فهي‏:‏ جواهر شريفة روحانية نورانية‏.‏

وقال‏:‏ إن الباري تعالى يمسح تلك الأنفس في كل دهر مسحة فيتجلى لها حتى تنظر إلى نوره المحض الخارج من جوهره الحق فحينئذ يشتد عشقها وشوقها ونورها ومجدها‏.‏

فلا تزال كذلك دائماً إلى الأبد‏.‏

رأي أبيقورس خالف الأوائل في الأوائل‏.‏

قال المبادئ اثنان‏:‏ الخلاء والصورة أما الخلاء فمكان فارغ وأما الصورة فهي فوق المكان والخلاء ومنها أبدعت الموجودات وكل ما كون منها فإنه ينحل إليها فمنها المبدأ وإليها المعاد‏.‏

وربما يقول‏:‏ الكل يفسد وليس بعد الفراق حساب ولا قضاء ولا مكافئة ولا جزاء بل كلها تضمحل وتدثر‏.‏

والإنسان كالحيوان مرسل مهمل في هذا العالم‏.‏

والحالات التي ترد على الأنفس في هذا العالم كلها من تلقائها على قدر حركاتها وأفاعيلها فإن فعلت خيراً وحسناً فيرد عليها سرور الفرح وإن فعلت شراً وقبيحاً فيرد عليها حزن وترح‏.‏

وإنما سرور كل نفس بالأنفس الأخرى وكذا حزنها مع الأنفس الأخرى‏.‏

بقدر ما يظهر لها من أفاعيل‏.‏

وتبعه جماعة من التناسخية على هذا الرأي حكم سولون الشاعر وكان عند الفلاسفة من الأنبياء العظام بعد هرمس وقبل سقراط وأجمعوا على تقديمه والقول بفضائله‏.‏

قال سولون لتلميذه‏:‏ تزود من الخير وأنت مقبل خير لك من أن تتزود منه وأنت مدبر‏.‏

وقال‏:‏ من فعل خيراً فليتجنب ما خالفه وإلا دعي شريراً‏.‏

وقال‏:‏ إذا عرضت عليك فكرة سوء فادفعها عن نفسك ولا ترجع باللائمة على غيرك لكن ما رأيك بما أحدث عليك‏.‏

وقال‏:‏ إن فعل الجاهل في خطابه أن يذم غيره وفعل طالب الأدب أن يذم نفسه وفعل الأديب أن لا يذم نفسه ولا غيره‏.‏

وقال‏:‏ إذا انكب الدن وأريق الشراب وانكسر الإناء‏.‏

فلا تغتم بل قل‏:‏ كما أن الأرباح لا تكون إلا فيما يباع ويشترى كذلك الخسرانات لا تكون إلا في الموجودات فانفي الغم والخسارة عنك فإن لكل ثمناً وليس يجيء بالمجان‏.‏

وسئل‏:‏ أيما أحمد في الصبا‏:‏ الحياء أم الخوف قال‏:‏ الحياء لأن الحياء يدل على العقل والخوف يدل على المقة والشهوة‏.‏

وقال لابنه دع المزاح فإن المزاح لقاح الضغائن‏.‏

وسأله رجل فقال‏:‏ هل ترى أن أتزوج أم أدع قال‏:‏ أي الأمرين فعلت ندمت عليه‏.‏

وسئل‏:‏ أي شيء أصعب على الإنسان قال‏:‏ أن يعرف عيب نفسه وأن يمسك عما لا يتكلم به‏.‏

ورأى رجلاً عثر فقال له‏:‏ لأن تعثر برجلك خير من أن تعثر بلسانك‏.‏

وسئل‏:‏ ما الحياة فقال‏:‏ التمسك بأمر الله تعالى‏.‏

وسئل‏:‏ ما النوم فقال‏:‏ النوم موتة خفيفة والموت نومة طويلة‏.‏

وقال‏:‏ ليكن اختارك من الأشياء حديثها‏.‏

ومن الإخوان أقدمهم‏.‏

وقال‏:‏ أنفع العلم ما أصابته الفكرة وأقله نفعاً ما قلته بلسانك‏.‏

وقال‏:‏ ينبغي أن يكون المرء‏:‏ حسن الشكل في صغره وعفيفاً عند إدراكه وعدلاً في شبابه وذا رأي في كهلولته وحافظاً للستر عند الفناء حتى لا تلحقه الندامة‏.‏

وقال‏:‏ ينبغي للشاب أن يستعد لشيخوخته مثل ما يستعد الإنسان للشتاء من البرد الذي يهجم عليه‏.‏

وقال‏:‏ يا بني‏!‏ احفظ الأمانة تحفظك وصنها حتى تصان‏.‏

وقال‏:‏ جوعوا إلى الحكمة واعطشوا إلى عبادة الله تعالى قبل أن يأتيكم المانع منهما‏.‏

وقال لتلامذته‏:‏ لا تكرموا الجاهل فيستخف بكم ولا تتصلوا بالأشرار فتعدوا فيهم ولا تعتمدوا الغنى إن كنتم تلامذة الصدق ولا تهملوا أمر أنفسكم في أيامكم ولياليكم ولا تستخفوا بالمساكين في جميع أوقاتكم‏.‏

وكتب إليه بعض الحكماء يستوصفه أمر عالمي العقل والحس فقال‏:‏ أما عالم العقل فدار ثبات وسئل‏:‏ ما فضل علمك على علم غيرك قال‏:‏ معرفتي بأن علمي قليل‏.‏

وقال‏:‏ أخلاق محمودة وجدتها في الناس إلا أنها إنما توجد في قليل‏:‏ صديق يحب صديقه غائباً كمحبته حاضراً وكريم يكرم الفقراء كما يكرم الأغنياء ومقر بعيوبه إذا ذكرت وذاكر يوم نعيمه في يوم بؤسه ويوم بؤسه في يوم نعيمه وحافظ لسانه عند غضبه‏.‏

وآمر بالمعروف دائماً‏.‏

حكم أوميروس الشاعر وهو من الكبار القدماء الذي يجريه أفلاطون وأرسطوطاليس في أعلى المراتب‏.‏

ويستدل بشعره لما كان يجمع فيه إتقان المعرفة ومتانة الحكمة وجودة الرأي وجزالة اللفظ فمن ذلك قوله‏:‏ لا خير في كثرة الرؤساء وهذه كلمة وجيزة تحتها معان شريفة لما في كثرة الرؤساء من الاختلاف الذي يأتي على حكمة الرئاسة بالإبطال ويستدل بها أيضاً في التوحيد لما في كثرة الآلهة من المخالفات التي تكر على حقيقة الإلهية بالإفساد‏.‏

وفي الحكمة‏:‏ لو كان أهل بلد كلهم رؤساء لما كان رئيس البتة ولو كان أهل بلد كلهم رعية لما كانت رعية البتة‏.‏

ومن حكمه قال‏:‏ إني لأعجب من الناس‏!‏ إذ كان يمكنهم الإقتداء بالله تعالى فيدعون ذلك الإقتداء بالبهائم‏!‏ قال له تلميذه‏:‏ لعل هذا إنما يكون لأنهم قد رأوا أنهم يموتون كما تموت البهائم فقال له‏:‏ بهذا السبب يكثر تعجبي منهم‏!‏ من قبل أنهم يحسون بأنهم لابسون بدناً ميتاً وقال‏:‏ من يعلم أن الحياة لنا مستعبدة والموت معتق مطلق‏.‏

آثر الموت على الحياة‏.‏

وقال العقل نحوان‏:‏ طبيعي وتجريبي وهما مثل الماء والأرض وكما أن النار تذيب كل صامت وتخلصه وتمكن من العمل فيه كذلك العقل يذيب الأمور ويخلصها ويفصلها ويعدها للعمل‏.‏

ومن لم يكن لهذين النحوين فيه موضع فإن خير أموره له قصر العمر‏.‏

وقال‏:‏ إن الإنسان الخير أفضل من جميع ما على الأرض والإنسان الشرير أخس وأوضع من جميع ما على الأرض‏.‏

وقال‏:‏ لن‏:‏ تنبل واحلم‏:‏ تعز ولا تكن معجباً‏:‏ فتمتهن واقهر شهوتك فإن الفقير من انحط إلى شهواته‏.‏

وقال‏:‏ الدنيا دار تجارة والويل لمن تزود عنها الخسارة‏.‏

وقال‏:‏ الأمراض ثلاثة أشياء‏:‏ الزيادة والنقصان في الطبائع الأربع وما تهيجه الأحزان فشفاء الزائد والناقص في الطبائع الأدوية وشفاء ما تهيجه الأحزان كلام الحكماء والإخوان‏.‏

وقال‏:‏ العمى خير من الجهل لأن أصعب ما يخاف من العمى التهور في بئر ينهد منه الحسد والجبل يتوقع منه هلاك الأبد‏.‏

وقال‏:‏ مقدمة المحمودات الحياء ومقدمة المذمومات القحة‏.‏

وقال إيرقليطس‏:‏ إن أوميروس الشاعر لما رأى تضاد الموجودات دون فلك القمر قال‏:‏ يا ليته هلك التضاد من هذا العالم ومن الناس والسادة يعني النجوم واختلاف طبائعها وأراد بذلك أن يبطل التضاد والاختلاف حتى يكون هذا العالم المتحرك المنتقل داخلاً في العالم الساكن الدائم الباقي‏.‏

ومن مذهبه‏:‏ أن بهرام يعني الريح واقع الزهرة فتولدت من بينهما طبيعة هذا العالم‏.‏

وقال‏:‏ إن الزهرة علة التوحد والاجتماع وبهرام علة التفرق والاختلاف والتوحد ضد التفرق فلذلك صارت الطبيعة ضداً‏:‏ تركب وتنقص وتوحد وتفرق‏.‏

وقال‏:‏ الحظ شيء أظهره العقل بوساطة العلم فلما قابل النفس عشقته بالعنصر‏.‏

هذه حكمه‏.‏

وأما مقطعات أشعاره فمنها‏:‏ قال‏:‏ ينبغي للإنسان أن يفهم الأمور الإنسانية‏.‏

إن الأدب للإنسان ذخر لا يسلب‏.‏

ارفع من عمرك ما يحزنك‏.‏

إن أمور العالم تعلمك العلم‏.‏

إن كنت ميتاً فلا تحقر عداوة من لا يموت‏.‏

كل ما يمتاز في وقته يفرح به‏.‏

إن الزمان يبين الحق وينيره‏.‏

اذكر نفسك أبداً‏:‏ أنك إنسان‏.‏

إن كنت إنساناً فافهم كيف تضبط غضبك‏.‏

إذا نالتك مضرة فاعلم أنك كنت أهلها‏.‏

اطلب رضاء كل أحد لإرضار نفسك فقط‏.‏

إن الضحك في غير وقته هو ابن عم انتقم من الأعداء نقمة لا تضرك‏.‏

كن حسن الجرأة ولا تكن متهوراً‏.‏

إن كنت ميتاً فلا تذهب مذهب من لا يموت‏.‏

إن أردت أن تحيا فلا تعمل عملاً يوجب الموت‏.‏

إن الطبيعة كونت الأشياء بإرادة الرب تعالى‏.‏

من لا يفعل شيئاً في الشر فهو إلهي‏.‏

آمن بالله فإنه يوفقك في أمورك‏.‏

إن مساعدة الأشرار في أفعالهم كفر بالله‏.‏

إن المغلوب من قاتل الله والبخت‏.‏

اعرف الله واعقل الأمور الإنسانية‏.‏

إذا أراد الله خلاصك عبرت البحر على البادية‏.‏

إن العقل الذي يناطق الله لشريف‏.‏

إن قوام السنة بالرئيس‏.‏

إن لفيف الناس وإن كانت لهم قوة فليس لهم عقل‏.‏

إن السنة توجب كرامة الوالدين مثل كرامة الإله‏.‏

رأي ان‏:‏ والديك آلهة لك‏.‏

إن الأب هو من ربي لا من ولد‏.‏

إن الكلام في غير وقته يفسد العمر كله‏.‏

إذا حضر البخت تمت الأمور‏.‏

إن سنن الطبيعة لا تتعلم‏.‏

إن اليد تغسل اليد والإصبع الإصبع‏.‏

ليكن فرحك بما تدخره لنفسك دون ما تدخره لغيرك يعني بالمدخر لنفسه العلم والحكمة والمدخر لغيره المال‏.‏

وقال‏:‏ الكرم يحمل ثلاثة عناقيد‏:‏ عنقود الالتذاذ وعنقود الشكر وعنقود الشيم‏.‏

خير أمور العالم الحسي أوساطها وخير أمور العالم العقل أفضلها‏.‏

وقيل‏:‏ إن وجود الشعر في أمة يونان كان قبل الفلسفة وإنما أبدعه أوميروس‏.‏

وتاليس كان بعده بثلاثمائة واثنتين سنة‏.‏

وأول فيلسوف كان منهم‏:‏ في سنة تسعمائة وإحدى وخمسين من وفاة موسى عليه السلام وهذا ما أخبر به كورفس في كتابه وذكر فورفوريوس أن تاليس ظهر في سنة ثلاث وعشرين ومائة من ملك بختنصر‏.‏

حكم بقراط بقراط واضع الطب‏.‏

الذي قال بفضله الأوائل والأواخر‏.‏

وكان أكثر حكمته في الطب وشهرته به فبلغ خبره إلى بهمن ابن اسفنديار بن كشتاسب فكتب إلى فيلاطس ملك قوه وهو بلد من بلد اليونانيين يأمر بتوجيه بقراط إليه وأمر له بقناطير من الذهب فأبى ذلك وتأبى عن الخروج إليه ضناً بوطنه وقومه‏.‏

وكان لا يأخذ على المعالجة أجرة من الفقراء وأوساط الناس وقد شرط أن يأخذ من الاغنياء أحد ثلاثة أشياء‏:‏ طوقاً‏.‏

وإكليلاً أو سواراً‏.‏

من ذهب‏.‏

فمن حكمه إن قال‏:‏ استهينوا بالموت فإن مرارته في خوفه‏.‏

وقيل له‏:‏ أي العيش خير قال‏:‏ الأمن مع الفقر خير من الغنى مع الخوف‏.‏

وقال‏:‏ الحيطان والبروج لا تحفظ المدن ولكن تحفظها آراء الرجال وتدبير الحكماء‏.‏

وقال‏:‏ يداوي كل عليل بعقاقير أرضه فإن الطبيعة متطلعة إلى هوائها ونازعة إلى غذائها‏.‏

ولما حضرته الوفاة قال‏:‏ خذوا جامع العلم مني‏:‏ من كثر نومه ولانت طبيعته ونديت جلدته‏.‏

طال عمره‏.‏

وقال‏:‏ لو خلق الإنسان من طبيعة واحدة لما مرض لأنه لم يكن هناك شيء يضادها فيمرض‏.‏

ودخل على عليل فقال له‏:‏ أنا والعلة وأنت فإن أعنتني عليها بالقبول لما تسمع مني‏:‏ صرنا اثنين وانفرد العلة فقينا عليها والاثنان إذا اجتمعا على واحد غلباه‏.‏

وسئل‏:‏ ما بال الإنسان أثور ما يكون بدنه إذا شرب الدواء قال‏:‏ مثل ذلك مثل البيت أكثر ما يكون غبارا إذا كنس‏.‏

وحديث ابن الملك‏:‏ أنه عشق جارية من حظايا أبيه فنهك بدنه واشتدت علته فأحضر بقراط فجس نبضه ونظر إلى تفسرته فلم ير أثر علة فذكراه حديث العشق فرآه يهش لذلك ويطرب فاستخبر الحال من حاضنته فلم يكن عندها خبر وقالت‏:‏ ما خرج قط من الدار فقال‏:‏ بقراط للملك‏:‏ مر رئيس الخصيان بطاعتي فأمره بذلك فقال‏:‏ أخرج علي النساء فخرجن وبقراط واضع إصبعه على نبض الفتى فلما خرجت الحظية اضطرب عرقه‏.‏

وطار قلبه وحار طبعه فعلم بقراط أنها المعينة لهواه فصار بقراط إلى الملك‏.‏

وقال له‏:‏ ابن الملك قد عشق من الوصول إليها صعب قال الملك‏:‏ ومن ذاك قال‏:‏ هو يحب حليلتي قال‏:‏ انزل عنها ولك عنها بدل فتحازن بقراط ووجم‏:‏ وقال‏:‏ هل رأيت أحداً كلف أحداً طلاق امرأته ولا سيما الملك في عدله ونصفته يأمرني بمفارقة حليلتي ومفارقتها مفارقة روحي قال الملك‏:‏ إني أوثر ولدي عليك وأعوضك من هو احسن منها فامتنع حتى بلغ الأمر إلى التهديد بالسيف قال بقراط‏:‏ إن الملك لا يسمى عدلاً حتى ينتصف من نفسه ما ينتصف من غيره أرأيت لو كانت العشيقة حظية الملك‏!‏ قال‏:‏ يا بقراط‏!‏ عقلك أتم من معرفتك‏!‏ ونزل عنها لابنه وبرئ الفتى من مرضه ذلك‏.‏

وقال بقراط‏:‏ إياك أن تأكل إلا ما تستمرئ وأما مالا تستمرئ فإنه يأكلك‏.‏

وقيل لبقراط‏:‏ لم يثقل الميت قال‏:‏ لأنه كان اثنين‏:‏ أحدهما خفيف رافع والآخر ثقيل واضع فلما انصرف أحدهما وهو الخفيف الرافع ثقل الثقيل الواضع‏.‏

وقال‏:‏ الجسد يعالج جملة على خمسة أضرب‏:‏ ما في الرأس بالغرغرة وما في المعدة بالقيء وما في البدن بإسهال البطن وما بين الجلدين بالعرق وما في العمق وداخل العروق بإرسال الدم‏.‏

وقال الصفراء بيتها المرارة وسلطانها في الكبد والبلغم بيته المعدة وسلطانه في الصدر والسوداء بيتها الطحال وسلطانها في القلب والدم بيته القلب وسلطانه في الرأس‏.‏

وقال لتلميذ له‏:‏ ليكن أفضل وسيلتك إلى الناس محبتك لهم والتفقد لأمورهم ومعرفة حالهم واصطناع المعروف إليهم‏.‏

ويحكى عن بقراط قوله المعروف‏:‏ العمر قصير والصناعة طويلة والوقت ضيق والزمان جديد والتجربة خطر والقضاء عسر‏.‏

وقال لتلاميذه‏:‏ اقسموا الليل والنهار ثلاثة أقسام‏:‏ فاطلبوا في القسم الأول العقل الفاضل واعملوا في القسم الثاني بما أحرزتم من ذلك العقل ثم عاملوا في القسم الثالث من لا عقل له وانهزموا من الشر ما استطعتم‏.‏

وكان له ابن لا يقبل الأدب فقالت له امرأته‏:‏ إن ابنك هو منك فأدبه فقال لها‏:‏ هو مني طبعاً ومن غيري نفساً فما أصنع به‏.‏

وقال‏:‏ ما كان كثيراً فهو مضاد للطبيعة فلتكن الأطعمة والأشربة والنوم والجماع والتعب‏.‏

قصداً‏.‏

وقال‏:‏ إن صحة البدن إذا كانت في الغاية كان أشد خطراً‏.‏

وقال‏:‏ إن الطب هو حفظ الصحة بما يوافق الأصحاء ودفع المرض بما يضاده‏.‏

وقال‏:‏ من سقى السم من الأطباء وألقى الجنين ومنع الحمل واجترأ على المريض‏.‏

فليس من شيعتي وله أيمان معروفة على هذه الشرائط‏.‏

وكتبه معروفة كثيراً في الطب‏.‏

وقال في الطبيعة‏:‏ إنها القوة التي تدبر الجسم من الإنسان فتصوره من النطفة إلى تمام الخلقة خدمة للنفس في إتمام هيكلها ولا تزال هي المدبرة له غذاء من الثدي وبعده مما به قوامه من الأغذية‏.‏

ولها ثلاث قوى‏:‏ المولدة والمربية والحافظة‏.‏

ويخدم الثلاث أربع قوى‏:‏ الجاذبة حكم ديمقريطيس وهو من الحكماء المعتبرين في زمان بهمن بن اسفنديار وهو وبقراط كانا في زمان واحد قبل أفلاطون وله آراء في الفلسفة وخصوصاً في مبادئ الكون والفساد‏.‏

وكان أرسطوطاليس يؤثر قوله على قول أستاذه أفلاطون الإلهي وما أنصف‏.‏

قال ديمقريطيس‏:‏ إن الجمال الظاهر يشبه به المصورون بالأصباغ ولكن الجمال الباطن لا يشبه به إلا من هو له بالحقيقة وهو مخترعه ومنشئه‏.‏

وقال‏:‏ ليس ينبغي أن تعد نفسك من الناس ما دام الغيظ يفسد رأيك ويتبع شهوتك‏.‏

وقال‏:‏ ليس ينبغي أن يمتحن الناس في وقت ذلتهم بل في وقت عزتهم وملكهم ومنا أن الكير يمتحن به الذهب كذلك الملك يمتحن به الإنسان فيتبين خيره وشره‏.‏

وقال‏:‏ ينبغي أن تأخذ في العلوم بعد أن تنفي عن نفسك العيوب وتعودها الفضائل فإنك إن لم تفعل هذا لم تنتفع بشيء من العلوم‏.‏

وقال‏:‏ من أعطى أخاه المال فقد أعطاه خزائنه ومن أعطاه علمه ونصيحته فقد وهب له نفسه‏.‏

وقال‏:‏ لا ينبغي أن تعد النفع الذي فيه الضرر العظيم نفعاً ولا الضرر الذي فيه النفع العظيم وقال‏:‏ مثل من قنع بالاسم كمثل من قنع عن الطعام بالرائحة‏.‏

وقال‏:‏ عالم معاند خير من جاهل منصف‏.‏

وقال‏:‏ ثمرة الغرة التواني وثمرة التواني الشقاء وثمرة الشقاء ظهور البطالة وثمرة البطالة‏:‏ السفه والعبث والندامة والحزن‏.‏

وقال‏:‏ يجب على الإنسان أن يطهر قلبه من المكر والخديعة كما يطهر بدنه من أنواع الخبث‏.‏

وقال‏:‏ لا تطمع أحداً أن يطأ عقبك اليوم فيطأك غداً‏.‏

وقال‏:‏ لا تكن حلواً جداً لئلا تبلع ولا مراً جداً لئلا تلفظ‏.‏

وقال‏:‏ ذنب الكلب يكسب له الطعام وفمه يكسب له الضرب‏.‏

وكان بأثينية نقاش غير حاذق فأتى ديمقريطيس‏.‏

وقال‏:‏ جصص بيتك فاصوره قال‏:‏ صوره أو لا حتى أجصصه‏.‏

وقال‏:‏ مثل العلم مع من لا يقبل وإن قبل لا يعمل كمثل دواء مع سقيم وهو لا يداوي به‏.‏

وقيل له‏:‏ لا تنظر فغمض عينيه قيل له‏:‏ لا تسمع فسد أذنيه قيل له‏:‏ لا تتكلم فوضع يده على شفتيه قيل له‏:‏ لا تعلم قال‏:‏ لا أقدر‏.‏

وإنما أراد به‏:‏ أن البواطن لا تندرج تحت الاختيار فأشار إلى ضرورة السر واختيار الظاهر‏.‏

ولما كان الإنسان مضطر الحدوث كان معزول الولاية عن قلبه وهو بقلبه أكبر منه بسائر جوارحه فلهذا لم يستطع أن يتصرف في أصله لاستحالة أن يكون الفاعل أصله‏.‏

ولهذا الكلام شرح آخر وهو أنه أراد التمييز بين العقل والحس فإن الإدراك العقلي لا يتصور الانفكاك عنه وإذا حصل لن يتصور نسيانه بالاختيار والإعراض عنه بخلاف الإدراك الحسي‏.‏

وهذا يدل على أن العقل ليس من جنس الحس ولا النفس من حيز البدن‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن الاختيار في الإنسان مركب من افعالين‏:‏ أحدهما انفعال نقيصة والثاني انفعال تكامل وهو إلى الانفعال الأول أميل بحكم الطبيعة والمزاج والآخر ضعيف فيه إلا إذا وصل إليه مدد من جهة العقل والتمييز والنطق فمتى وقف هذا المدد من القوة الاختيارية كانت الغلبة للانفعال الآخر ولولا تركب الاختيار عن هذين الانفعالين أو انقسامه إلى هذين الوجهين لتأتى للإنسان جميع ما يقصده بالاختيار بلا مهلة ولا ترجح ولا هنية ولا تريح ولا استشارة ولا استخارة‏.‏

وهذا الرأي الذي رآه هذا الحكيم‏:‏ لم أجد أحداً أبه له ولا عثر عليه أو حكم به وأومأ إليه‏.‏

والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

حكم أوقليدس وهو أول من تكلم في الرياضيات وأفرده علماً نافعاً في العلوم منقحاً للخاطر ملقحاً للفكر‏.‏

وكتابه معروف باسمه وكذلك حكمته‏.‏

وقد وجدنا له حكماً متفرقة فأوردناها على سوق مرامنا وطرد كلامنا‏.‏

فمن ذلك قوله‏:‏ الخط هندسة روحانية ظهرت بآلة جسمانية‏.‏

وقال له رجل يتهدده‏:‏ إني لا آلو جهداً في أن أفقدك حياتك قال أوقليدس‏:‏ وأنا لا آلو جهداً في أن أفقدك غضبك‏.‏

وقال‏:‏ كل أمر تصرفنا فيه وكانت النفس الناطقة هي المقدرة له فهو داخل في الأفعال الإنسانية وما لم تقدره النفس الناطقة فهو داخل في الأفعال البهيمية‏.‏

وقال‏:‏ من أراد أن يكون محبوبه محبوبك وافقك على ما تحب فإذا اتفقتما على محبوب واحد صرتما إلى الاتفاق‏.‏

وقال‏:‏ إفزع إلى ما يشبه الرأي العام التدبيري العقلي واتهم ما سواه‏.‏

وقال‏:‏ كل ما أستطيع خلعه ولم يضطر إلى لزومه المرء فلم الإقامة على مكروهه‏.‏

وقال‏:‏ الأمور جنسان‏:‏ أحدهما يستطاع خلعه والمصير إلى غيره والآخر منهما غير سائغ في الرأي‏.‏

وقال‏:‏ إن كانت الكائنات من المضطرة فما الاهتمام بالمضطر إذ لا بد منه وإن كانت غير مضطرة فلم الهم فيما يجوز الانتقال عنه وقال‏:‏ الصواب إذا كان عاماً كان أفضل لأن الخاص يقع بالتحري وتلقاء أمر ما‏.‏

وقال‏:‏ العمل على الإنصاف ترك الإقامة على المكروه وقال‏:‏ إذا لم يضطرك إلى الإقامة عليه شيء فإن أقمت رجعت باللائمة عليك‏.‏

وقال‏:‏ الحزم هو العمل على أن لا تثق بالأمور التي في الإمكان عسرها ويسرها‏.‏

وقال‏:‏ كل فائت وجدت في الأمور منه عوضاً أو أمكنك اكتساب مثله فما الأسف على فوته وإن لم يكن منه عوض ولا يصاب له مثل فما الأسف على ما لا سبيل إلى مثله والإمكان في دعه‏.‏

وقال‏:‏ لما علم العاقل أنه لا ثقة بشيء من أمر الدنيا‏:‏ ألقى منها ما منه بد واقتصر على ما لا بد منه وعمل فيما يوثق به بأبلغ ما قدر عليه وقال‏:‏ إذا كان الأمر تمكنا فيه التصرف فوقع بحال ما تحب فاعتده رحاً وإن وقع بحال ما تكره فلا تحزن فإنك قد كنت عجلت فيه على غير ثقة بوقوعه على ما تحب‏.‏

وقال‏:‏ لم أر أحداً إلا ذاما للدنيا وأمورها إذ هي على ما هي من التغير والتنقل فالمستكثر منها يلحقه أن يكون أشد اتصالا بما يذم وإنما يذم الإنسان ما يكره والمستقل منها مستقل مما يكره وإذا أستقل مما يكره كان ذلك أقرب إلى ما يحب‏.‏

وقال‏:‏ أسوأ الناس حالا من لا يثق بأحد لسوء ظنه ولا يثق به أحد لسوء فعله‏.‏

وقال‏:‏ الجشع بين شرين فالإعدام يخرجه إلى السفه والجدة تخرجه إلى الأشر‏.‏

وقال‏:‏ لا تعن أخاك على أخيك في خصومة فإنهما يصطلحان عن قليل وتكتسب المذمة‏.‏

حكم بطلميوس وهو صاحب المجسطى الذي تكلم في هيئات الفلك واخرج علم الهندسة من القوة إلى الفعل‏.‏

فمن حكمه أنه قال‏:‏ ما أحسن الإنسان أن يصبر عما اشتهى وأحسن منه أن لا يشتهي إلا ما ينبغي‏.‏

وقال‏:‏ الحليم الذي إذا صدق صبر لا الذي إذا قذف كظم‏.‏

وقال‏:‏ لمن يغني الناس ويسأل أشبه بالملوك ممن يستغني بغيره ويسأل‏.‏

وقال‏:‏ لان يستغني الإنسان عن الملك أكرم له من أن يستغني به‏.‏

وقال‏:‏ موضع الحكمة من قلوب الجهال كموقع الذهب والجوهر من ظهر الحمار‏.‏

وسمع جماعة من أصحابه وهم حول سرادقه يقعون فيه ويثلبونه فهز رمحاً كان بين يديه ليعلموا وقال‏:‏ العلم من موطنه كالذهب في معدنه‏:‏ لا يستنبط إلا بالدءوب والتعب والكد والنصب ثم يجب تخليصه بالفكر كما يخلص الذهب بالنار‏.‏

وقال بطلميوس‏:‏ دلالة القمر في الأيام أقوى‏.‏

ودلالة الشمس والزهرة في الشهور أقوى ودلالة المشتري وزحل في السنين أقوى‏.‏

ومما ينقل عنه أنه قال‏:‏ نحن كائنون في الزمن الذي يأتي بعد وهذا رمز إلى المعاد إذ الكون والوجود الحقيقي‏:‏ ذلك الكون والوجود في ذلك العالم‏.‏

حكم أهل المظال ومنهم خروسيبس وزينون وقولهما الخالص‏:‏ إن الباري تعالى المبدع الأول‏:‏ واحد محض هو إن فقط أبدع العقل والنفس دفعة واحدة ثم أبدع جميع ما تحتهما بتوسطهما وفي بدء ما أبدعهما أبدعهما جوهرين لا يجوز عليهما الدثور والفناء‏.‏

وذكروا‏:‏ أن للنفس جرمين‏:‏ جرم من النار والهواء وجرم من الماء والأرض فالنفس متحدة بالجرم الذي من النار والهواء والجرم الذي من النار والهواء متحد بالجرم الذي من الماء والأرض والنفس تظهر أفاعيلها في ذلك الجرم وذلك الجرم ليس له طول ولا عرض ولا قدر مكاني وباصطلاحنا سميناه جسماً وأفاعيل النفس فيه نيرة بهية ومن الجسم إلى الجرم ينحدر‏:‏ النور والحسن والبهاء‏.‏

ولما ظهرت أفاعيل النفس عندنا بمتوسطين كانت أظلم ولم يكن لها نور شديد‏.‏

وذكروا‏:‏ أن النفس إذا كانت طاهرة زكية استخصت الأجزاء النارية والهوائية وهي جسمها واستصحبت في ذلك العالم جسماً روحانياً نورانياً علوياً طاهراً مهذباً من كل ثقل وكدر‏.‏

وأما الجرم الذي من الماء والأرض فيدثر ويفنى لأنه غير مشاكل للجسم السماوي لأن ذلك الجسم خفيف لطيف لا وزن له ولا يلمس وإنما يدرك من البصر فقط كما تدرك الأشياء الروحانية من العقل فألطف ما يدرك الحس البصري من الجواهر هي النفسانية وألطف ما يدرك من إبداع الباري تعالى الآثار التي عند العقل‏.‏

وذكروا أن النفس ما هي مستطيعة ما خلاها الباري تعالى أن تفعل وإذا ربطها فليست بمستطيعة كالحيوان الذي إذا خلاه مدبره أعني الإنسان كان مستطيعاً في كل ما دعي إليه وتحرك إليه وإذا ربطه لم يقدر حينئذ أن يكون مستطيعاً‏.‏

وذكروا‏:‏ أن دنس النفس وأوساخ الجسد إنما تكون لازمة للإنسان من جهة الأجزاء وأمات التطهير والتهذيب فمن جهة الكل لأنه إذا انفصلت النفس الكلية إلى النفس الجزئية والعقل الجزئي من العقل الكلي‏:‏ غلظت وصارت من حيز الجرم لأنها كلما سفلت اتحدت بالجرم والجرم من حيز الماء والأرض وهما ثقيلان يذهبان سفلاً وكلما اتصلت النفس الجزئية بالنفس الكلية والعقل الجزئي بالعقل الكلي‏:‏ ذهبت علواً لأنها تتحد بالجسم والجسم من حيز النار والهواء وكلاهما لطيفان يذهبان علواً‏.‏

وهذان الجرمان مركبان وكل واحد منهما من جوهرين‏.‏

واجتماع هذين الجرمين يوجب الاتحاد شيئاً واحداً عند الحس البصري فأما عند الحواس الباطنة وعند العقل فليست شيئاً واحداً فالجسم في هذا العالم مستبطن في الجرم لأنه أشد روحانية ولأن هذا العالم ليس مشاكلاً له ولا مجانساً له والجرم مشاكل ومجانس لهذا العالم فصار لجرم أظهر من الجسم لمجانسة هذا العالم وتركيبه وصار الجسم مستبطناً في الجرم لأن هذا العالم غير مشاكل له وغير مجانس له‏.‏

فإما في ذلك العالم فالجسم ظاهر على الجرم لأن ذلك العالم‏:‏ عالم الجسم لأنه مجانس ومشاكل له ويكون لطيف الجرم الذي هو من لطيف الماء والأرض المشاكل لجوهر النار والهواء مستبطناً في الجسم كما كان الجسم مستبطناً في هذا العالم في الجرم‏.‏

فإذا كان هذا فيما ذكروا هكذا كان ذلك الجسم باقياً دائماً لا يجوز عليه الدثور ولا الفناء ولذته دائمة لا تملها النفوس ولا العقول ولا ينفد ذلك السرور والحبور‏.‏

ونقلوا عن أفلاطون أستاذهم‏:‏ لما كان الواحد لا بدء له صار‏:‏ نهاية كل متناه وإنما صار الواحد لا نهاية له لأنه لا بدء له لا أنه لا بدء لهلأنه لا نهاية وقال‏:‏ ينبغي للمرء أن ينظر كل يوم إلى وجهه في المرآة فإن كان قبيحاً‏:‏ لم يفعل قبيحاً فيجمع بين قبيحين وإن كان حسناً‏:‏ لم يشنه بقبيح‏.‏

وقال‏:‏ إنك لن تجد الناس إلا أحد رجلين‏:‏ إما مؤخراً في نفسه قدمه حظه أو مقدماً في نفسه آخره دهره فارضى بما أنت فيه اختياراً وإلا رضيت اضطراراً‏.‏